هل تشكل الفترة الحالية فرصة ذهبية لشراء سيارة في مصر؟
شهدت أسعار السيارات في مصر العام الماضي قفزات واسعة، في ظل وجود أكثر من سعر للدولار، واتساع الفجوة حينها لسعر العملة الأميركية ما بين السعر الرسمي بالبنوك والسعر بالسوق الموازية، فضلاً عن عدم توافرها، الأمر الذي عزز من ارتفاعات وصفت بأنها "غير منطقية" لأسعار تلك السلعة، ولا سيما مع ظاهرة "الأوفر برايس" التي حرمت الكثيرين من تحقيق اقتناء سيارة، لما أضافته من كلفة إضافية كبيرة على السعر الرسمي.
وبعد الخطوات التي اتخذتها الدولة المصرية أخيراً -خلال الربع الأول من العام الجاري تحديداً- والتي أفضت إلى تنفس الاقتصاد الصعداء، بدءاً من إبرام أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ البلاد (صفقة رأس الحكمة) ووصولاً إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بشأن تمويلات جديدة، جنباً إلى جنب وتطورات السياسة النقدية، بما في ذلك قرار تحرير سعر الصرف بشكل كامل، ورفع الفائدة بشكل مفاجئ بنسبة 6 بالمئة، انعكس ذلك كله على قطاع السيارات على أكثر من صعيد.
وعلى رغم أن وفرة الدولار والتقاط السوق المصرية أنفاسها بعد التغلب على واحدة من أكثر المشكلات تعقيداً (أزمة شح الدولار) ومع توجيه ضربة قاصمة للسوق الموازية، هي عوامل شجعت انفراجة أسعار السلع، بما في ذلك السيارات، إلا أن قرار رفع الفائدة بدوره وتحرير سعر الصرف أبقى على عديد من التحديات التي تُواجه القطاع.
لكنّ المحصلة النهائية حتى الآن، وفي ظل الفرص والتحديات التي تواجه القطاع، تشير إلى انخفاضات في الأسعار تصل إلى نسبة 20 بالمئة، وبشكل خاص فيما يتعلق بالسيارات الأوروبية، مع حالة من "الاستقرار" النسبي الذي تشهده السوق.. فهل هو الوقت الأنسب لشراء سيارة بالنسبة للبعض بعدما أجل الكثيرون تلك الخطوة خلال العام الماضي في ظل الارتفاعات المبالغ فيها بالأسعار؟ أم أن الأسعار يُمكن أن تتراجع بنسب أكبر في الفترات المقبلة؟
ينظر الكثير من المختصين بقطاع السيارات بعين التفاؤل جراء استقرار أوسع بالسوق وتراجعات محتملة حال استمر الوضع على ما هو عليه، وفي ظل وفرة السيولة الدولارية التي حرّكتها صفقة رأس الحكمة والاتفاقات التالية مع صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي، ومع تعويل مصر على تحريك ملف الطروحات الحكومية بشكل أوسع وجذب المزيد من الاستثمارات.
أسباب الانخفاض
بدوره أرجع المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات، حسين مصطفى، الانخفاض في أسعار السيارات إلى سببين رئيسيين؛ هما: اختفاء "الأوفر برايس" وهي القيمة التي يضيفها تجار السيارات على قيمة السيارة.. وجاء ذلك بعد تحرير سعر الصرف (وبما شكل ضربة للسوق الموازية للدولار الأميركي في مصر). وتخفيض السعر الأصلي من الوكلاء والمستوردين بنسب كبيرة؛ نتيجة لوجود السيارات في السوق.
وأشار إلى أنه على الرغم مما تشهده السوق من انخفاض بالأسعار تخطى الـ 20 بالمئة، إلا أن الإقبال لا يزال ضعيفاً على شراء السيارات، مُرجعاً السبب إلى أن الأسعار لاتزال مرتفعة (حتى بعد الانخفاضات الأخيرة).
وتوقع أن يستمر انخفاض الأسعار في الفترة المقبلة، على أن تصل نسب التراجعات بما يتخطى 40 بالمئة، لكن هذا يرتبط بالسماح بتحويل العملات الحرة في استيراد السيارات وفتح الاعتمادات المستندية للسيارات ومكوناتها بسهولة.
كما توقع المدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات أن يتم ذلك خلال فترة قريبة؛ خاصة بعد أن قامت الحكومة بالوفاء بتدبير السلع الأساسية والاحتياجات الضرورية، سواء عبر الإفراج عن تلك السلع الموجودة في المناطق الجمركية في الفترة السابقة والسماح باستيرادها، مؤكداً أن ذلك يعني أن تتوفر السيارات في المعارض بحجم يسمح بتخفيض أسعارها ليصل آنذاك إلى 40 بالمئة.
وأشار إلى أن هناك ظاهرة جديدة في سوق السيارات وهي إتاحة بعض الشركات والوكلاء خفض السعر بعد التعاقد حال انخفض السعر قبل الاستلام حتى منتصف العام الجاري، بإعادة الفارق للمشتري، معبراً عن أنها تعد دليلاً على أن الأسعار تعاود الوصول إلى نقطة المنطق الذي يجب أن يسود، بحيث تكون قيمة السيارة مساوية لما يجب أن يكون عليه وليست أعلى بنسب مضاعفة.
واستطرد قائلاً: "إن الفترات السابقة كانت قد شهدت خروج شريحة كبيرة من مشتريي السيارات الاقتصادية وعزوفهم عن قرار الشراء"، مشدداً أهمية عودة تلك الشريحة ومع وجود سيارات مناسبة يمكن التعامل معها حتى عبر التسهيلات البنكية التي زاد من صعوبتها رفع سعر الفائدة وبالتالي رفع قيمة فائدة الإقراض للتسهيلات البنكية والشراء بالتقسيط.
تشير بيانات مجلس معلومات سوق السيارات، إلى أن مبيعات السيارات في مصر بلغ 90 ألفًا و359 مركبة متنوعة في 2023، مقابل 184 ألفًا و771 وحدة في الفترة نفسها من عام 2022 بتراجع 51 بالمئة. فيما انخفضت مبيعات سيارات الملاكي بنسبة 48 بالمئة لتصل إلى 69 ألفًا و175 وحدة خلال 2023، مقارنة بنحو 133 ألفًا و857 مركبة في الفترة نفسها من عام 2022 .
انخفاض "معقول"
ومن جانبه، أوضح عضو شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، علاء السبع، أن استقرار العملة المحلية أخيراً جعل التكلفة أقل، مشيراً إلى أن سوق السيارات باتت تتيح البيع بسعر التكلفة وشراء الجديد بأسعار مخفضة، في ظل استقرار سعر الدولار أمام الجنيه.
ووصف التراجعات الحالية للأسعار بـ "المعقولة"، موضحاً أن الأسعار انخفضت بنسبة تصل إلى 30 بالمئة بالنسبة لبعض السيارات، وذلك عقب إتمام صفقة رأس الحكمة (ومع ضخ سيولة دولارية بالسوق المصرية)، وبعدها ارتفعت مرة أخرى بفعل ارتفاع سعر الدولار الجمركي وهو سعر الدولار مقابل الجنيه وفق ما تستخدمه الجهات الجمركية للبضائع المستوردة .
وأضاف: بعد ذلك عاودت أسعار السيارات مرة أخرى في الانخفاض، لتصل التراجعات إلى نسبة 20 بالمئة في بعض السيارات وأخرى 25 بالمئة، بينما السيارات غير الأوروبية والتي لم تستفد من التخفيض الجمركي وصلت نسبة الانخفاض في أسعارها إلى 15 بالمئة.
وأكد أن قطاع السيارات كان من أبرز القطاعات التي تجاوبت مع انخفاض الأسعار بعد تحرير سعر الصرف وإبرام صفقة رأس الحكمة، لافتًا إلى أن الانخفاض بالأسعار في هذا القطاع ملحوظ بشدة نظراً لأن الأسعار فيما قبل كانت ارتفعت بشكل مبالغ فيه. وتوقع أن تستقر الأسعار وتظل في مرحلة ثبات، موضحًا أن ذلك مرهونًا بأي تغير في سعر العملة، كما توقع أن تنشط حركة البيع والشراء خلال الفترة المقبلة.
الدولار الجمركي
فيما نبّه رئيس رابطة تجار السيارات، أسامة أبو المجد، بأن قطاع السيارات يعاني مشكلة أساسية على الرغم من التوقعات بمزيد من التراجع في الأسعار بنسب أكبر، لافتاً إلى سعر الدولار الجمركي خاصة وأن القطاع يعتمد في تحركه عليه، فكان سعره وصل إلى 30 جنيهاً في وقت سابق بينما أصبح في حدود 50 جنيهاً، وبالتالي فإن الأسعار لا تزال مرتفعة حتى مع التراجعات الأخيرة.
وقال إن سوق السيارات في الوقت الحالي تشهد استقراراً، لكنه استبعد زيادة الإقبال على الشراء على الرغم من انخفاض الأسعار؛ لأن المعروض من السيارات لا يزال قليلاً، مؤكدًا أن الانفراجة بالسوق ترتبط باستيراد عدد أكبر من السيارات.