قفزة هائلة وغير مسبوقة سجلتها البورصة المصرية في نهاية العام الحالي، محققة أرقاما تاريخية، ومكاسب لم تشهدها منذ 140 عاما، عندما انطلقت للمرة الأولى.
وساعدت عديد من العوامل المختلفة مؤشرات السوق المصري على تحقيق زخم استثنائي خلال العام 2023، في وقتٍ تواجه فيه المالية العامة ضغوطات، مع تراجع قيمة الجنيه المصري، مما شجع على الاستثمار في الأصول للتحوط المالي من المخاطر الناجمة عن تلك الفجوة، ومع الضغوط التضخمية التي تفرض نفسها على المشهد. كما استفادت مؤشرات بورصة مصر خلال العام بعديد من التحركات الحكومية، بما في ذلك برنامج الطروحات الحكومية.
الأداء السنوي
حققت البورصة المصرية (المؤشر الرئيسي EGX30) مكاسب بنحو 70.5 بالمئة، وهو رقم تاريخي غير مسبوق، حيث أظهرت الإحصاءات أن أرباح عام 2023 فاقت كل السنوات السابقة، متجاوزة 700 مليار جنيه مصري، ما يعادل أكثر من ثلثي القيمة السوقية للشركات المدرجات.
الأرقام التي حققتها البورصة المصرية جعلتها ضمن أفضل أسواق الأسهم في العالم خلال العام الجاري، وذلك بفضل الإقبال القوي على الأسهم، من أجل التحوط من التراجعات المحتملة لقيمة الجنيه المصري، بالإضافة إلى الاستفادة من الطروحات الحكومية المميزة والمتتالية على مدار العام.
وقفز رأس المال السوقي للشركات المقيدة بالبورصة المصرية من 961 مليار جنيه عام 2022، إلى حوالي 1.7 تريليون جنيه بنهاية عام 2023، بزيادة تتخطى 75 بالمئة عن العام السابق. وارتفع مؤشر البورصة الرئيسي "EGX30" من مستوى 14598 نقطة في نهاية 2022، إلى أكثر من 24894 نقطة في في آخر يوم تدوال من عام 2023، ضمن سلسلة الأرقام القياسية غير المسبوقة هذا العام.
في الوقت نفسه قفز مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة "EGX70"، بارتفاع هائل بفوق 95 بالمئة، بتسجيل 5473 نقطة، بدلا من 2801 نقطة بنهاية عام 2022. بالإضافة إلى ذلك، صعد مؤشر "EGX100" الأوسع نطاقا بمكاسب أكثر من 90 بالمئة، مسجلاً 7880 نقطة، مقابل 4145 نقطة في نهاية عام 2022.
عوامل الارتفاع
وتعدد خبيرة أسواق المال، عضو مجلس إدارة شركة الحرية للتداول، حنان رمسيس، العوامل التي أسهمت في الزخم الذي حققته مؤشرات البورصة المصرية خلال العام، على النحو التالي:
* وثيقة ملكية الدولة وطرح شركات حكومية في البورصة. وهذا ما جذب المتعاملين العرب والذين كانوا النواة الأولى لارتفاع مؤشرات البورصة وزيادة قيمة التداولات، مع بدء المتعاملين المصريين يتوجهون نفس الاتجاه أيضاً.
* تغيير قيادات السوق أثر بالإيجاب على أداء مؤشرات البورصة. مثل تغيير رئيس هيئة الرقابة المالية ورئيس البورصة (..) أدى ذلك إلى عودة الاهتمام بالتداول في البورصة وأخذها مكانة عند فئات المتعاملين.
* اختلاف سعر الصرف.. (وتوقعات خفض قيمة العملة) مما يعطي قوة شرائية للمتعاملين العرب والأجانب، وهذا يجعل مؤشرات البورصة ترتفع وتجذب المتعاملين للشراء، بما فيهم المصريين أيضاً؛ للمحافظة على أموالهم ضد مخاطر التضخم، الأمر الذي جعل البورصة تدخل كبديل آمن للتعامل والاستثمار في مصر.
* استخدام تطبيقات التداول الإلكتروني، التي جذبت المتعاملين بعد أن بات المتعامل يتداول بنفسه، ومن أكثر الفئات التي باتت تهتم بها هم الشباب. سيما بعدما سمحت هيئة الرقابة المالية لمن في سن 16 إلى 21 سنة، بالتداول دون ولاية الوالد، وهذا أدى إلى انتعاشة في قيم التداولات. وتضيف خبيرة أسواق المال: "كل هذا أدى إلى تحقيق البورصة المصرية خلال العام ارتفاعات تاريخية لتصل إلى نحو 70 بالمئة".
وتبدي رمسيس، وجهة نظر متفائلة للغاية مدعومة بالمشتريات من قبل العرب والمخاوف من إجراءات تحريك الجنيه مقابل الدولار والذي ما زال الشيء الأكثر سيطرة على تعاملات المتعاملين، والأكثر احترازا بواسطة البورصة. وعن الشركات والقطاعات المرشحة للصعود أكثر خلال 2024، تعتقد بأن قطاع الخدمات المالية غير المصرفية من القطاعات التي عديد من أسهمها سعرها أقل من قيمتها السوقية.
إضافة إلى قطاع الدفع الإلكتروني، الذي شهد تحركات قوية واندماجات ومبادلة ما بين شركات في هذا القطاع. إلى جانب قطاع الكيماويات وخصوصا قطاع الأسمدة، والذي يجد اهتماما من قبل المتعاملين العرب والأجانب، فضلا عن قطاع الرعاية الصحية والأدوية؛ كونها قطاعات ذات طلب مستمر وفرص استثمارية واعدة في الفترة المقبلة، حتى أن أسعارها ما زالت لا تعبر عن قيمتها الحقيقية، بحسب تقديرات خبيرة أسواق المال، عضو مجلس إدارة شركة الحرية للتداول، حنان رمسيس.
من جانبه، قال العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، إن البورصة المصرية شهدت خلال العام 2023 صعودا جماعيا في كل القطاعات مع تباين في أداء تلك القطاعات، مشيرا إلى أن هذا الصعود تواصل على مدار 18 شهرا وتحديدا من منتصف 2022.
وحول العوامل التي أدت للصعود، أوضح أنها تعود إلى ارتفاع معدلات التضخم في مصر بدرجة كبيرة وانخفاض قيمة العملة لثلث قيمتها تقريبًا خلال ذات الفترة، إضافة إلى عمليات الاستحواذ التي حدثت وبالأخص من جانب جهات عربية خلال الفترة السابقة، لا سيما في قطاع البتروكيماويات.
وعن مؤشرات السنة الجديدة، يتوقّع سعيد أن تواصل البورصة الزخم، لافتا إلى أن هذا الارتفاع ومحافظة البورصة على اتجاهها الصاعد في الفترة المقبلة سيستمر في ظل عدم استقرار سوق الصرف والتوقعات بمزيد من الانخفاض للجنيه المصري.
وفيما يخص القطاعات والشركات المنتظر أن تحقق أفضل أداءً في البورصة المصرية خلال 2024، يقسم سعيد هذه القطاعات إلى قسمين الأول على المدى من القصير للمتوسط وهو قطاع الخدمات المالية غير المصرفية؛ والثاني على المدى من المتوسط للطويل وأبرزها القطاع العقاري.